responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 11  صفحه : 348
هُوَ هَذَا الْحَبْسُ لَا غَيْرَ، واللَّه أَعْلَمُ.
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: ذلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيا أَيْ فَضِيحَةٌ وَهَوَانٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ.
قَالَتِ الْمُعْتَزِلَةُ: الْآيَةُ دَالَّةٌ عَلَى الْقَطْعِ بِوَعِيدِ الْفُسَّاقِ مِنْ أَهْلِ الصَّلَاةِ، وَدَالَّةٌ عَلَى أَنَّ قَتْلَهُمْ قَدْ أَحْبَطَ ثَوَابَهُمْ، لِأَنَّهُ تَعَالَى حَكَمَ بِأَنَّ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى كَوْنِهِمْ مُسْتَحِقِّينَ لِلذَّمِّ، وَكَوْنُهُمْ مُسْتَحِقِّينَ لِلذَّمِّ فِي الْحَالِ يَمْنَعُ مِنْ بَقَاءِ اسْتِحْقَاقِهِمْ لِلْمَدْحِ وَالتَّعْظِيمِ لِمَا أَنَّ ذَلِكَ جَمْعٌ بَيْنَ الضِّدَّيْنِ، وَإِذَا كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ ثَبَتَ الْقَوْلُ بِالْقَطْعِ بِوَعِيدِ الْفُسَّاقِ، وَثَبَتَ الْقَوْلُ بِالْإِحْبَاطِ.
وَالْجَوَابُ: لَا نِزَاعَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ فِي أَنَّ هَذَا الْحَدَّ إِنَّمَا يَكُونُ وَاقِعًا عَلَى جِهَةِ الْخِزْيِ وَالِاسْتِخْفَافِ/ إِذَا لَمْ تَحْصُلِ التَّوْبَةُ، فَأَمَّا عِنْدَ حُصُولِ التَّوْبَةِ فَإِنَّ هَذَا الْحَدَّ لَا يَكُونُ عَلَى جِهَةِ الْخِزْيِ وَالِاسْتِخْفَافِ، بَلْ يَكُونُ عَلَى جِهَةِ الِامْتِحَانِ، فَإِذَا جَازَ لَكُمْ أَنْ تَشْتَرِطُوا هَذَا الْحُكْمَ بِعَدَمِ التَّوْبَةِ لِدَلِيلٍ دَلَّ عَلَى اعْتِبَارِ هَذَا الشَّرْطِ، فَنَحْنُ أَيْضًا نَشْرُطُ هَذَا الْحُكْمَ بِشَرْطِ عَدَمِ الْعَفْوِ، وَحِينَئِذٍ لَا يَبْقَى الْكَلَامُ إِلَّا فِي أَنَّهُ هَلْ دَلَّ هَذَا الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ تَعَالَى يَعْفُو عَنِ الْفُسَّاقِ أَمْ لَا؟ وَقَدْ ذَكَرْنَا هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ بِالِاسْتِقْصَاءِ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعَالَى: بَلى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ [الْبَقَرَةِ: 81] ثم قال تعالى:

[سورة المائدة (5) : آية 34]
إِلاَّ الَّذِينَ تابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (34)
قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّه تَعَالَى: لَمَّا شَرَحَ مَا يَجِبُ عَلَى هَؤُلَاءِ الْمُحَارِبِينَ مِنَ الْحُدُودِ وَالْعُقُوبَاتِ استثنى عنه ما إِذَا تَابُوا قَبْلَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِمْ. وَضَبْطُ هَذَا الْكَلَامِ أَنَّ مَا يَتَعَلَّقُ مِنْ تِلْكَ الْأَحْكَامِ بِحُقُوقِ اللَّه تَعَالَى فَإِنَّهُ يَسْقُطُ بَعْدَ هَذِهِ التَّوْبَةِ، وَمَا يَتَعَلَّقُ مِنْهَا بِحُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ فَإِنَّهُ لَا يَسْقُطُ، فَهَؤُلَاءِ الْمُحَارِبُونَ إِنْ قَتَلُوا إِنْسَانًا ثُمَّ تَابُوا قَبْلَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِمْ كَانَ وَلِيُّ الدَّمِ عَلَى حَقِّهِ فِي الْقَصَاصِ وَالْعَفْوِ، إِلَّا أَنَّهُ يَزُولُ حَتْمُ الْقَتْلِ بِسَبَبِ هَذِهِ التَّوْبَةِ، وَإِنْ أَخَذَ مَالًا وَجَبَ عَلَيْهِ رَدُّهُ وَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ قَطْعُ الْيَدِ أَوِ الرِّجْلِ، وَأَمَّا إِذَا تَابَ بَعْدَ الْقُدْرَةِ فَظَاهِرُ الْآيَةِ أَنَّ التَّوْبَةَ لَا تَنْفَعُهُ، وَتُقَامُ الْحُدُودُ عَلَيْهِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّه تَعَالَى: وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَسْقُطَ كل حد للَّه بِالتَّوْبَةِ، لِأَنَّ مَاعِزًا لَمَّا رُجِمَ أَظْهَرَ تَوْبَتَهُ،
فَلَمَّا تَمَّمُوا رَجْمَهُ ذَكَرُوا ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «هَلَّا تَرَكْتُمُوهُ» .
أَوْ لَفْظٌ هَذَا مَعْنَاهُ، وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ التَّوْبَةَ تُسْقِطُ عَنِ الْمُكَلَّفِ كُلَّ مَا يتعلق بحق اللَّه تعالى.

[سورة المائدة (5) : آية 35]
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (35)
[في قوله تَعَالَى يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ] وَفِي الْآيَةِ مَسَائِلُ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: فِي النَّظْمِ وَجْهَانِ: الْأَوَّلُ: اعْلَمْ أَنَّا قَدْ بَيَّنَّا أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا أَخْبَرَ رَسُولَهُ أَنَّ قَوْمًا مِنَ الْيَهُودِ هَمُّوا أَنْ يَبْسُطُوا أَيْدِيَهُمْ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى إِخْوَانِهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَأَصْحَابِهِ بِالْغَدْرِ وَالْمَكْرِ وَمَنَعَهُمُ اللَّه تَعَالَى عَنْ مُرَادِهِمْ، فَعِنْدَ ذَلِكَ شَرَحَ لِلرَّسُولِ شِدَّةَ عِتِيِّهِمْ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ وَكَمَالَ إِصْرَارِهِمْ عَلَى إِيذَائِهِمْ، وَامْتَدَّ الْكَلَامُ إِلَى هَذَا الْمَوْضِعِ، فَعِنْدَ هَذَا رَجَعَ الْكَلَامُ إِلَى الْمَقْصُودِ الأول وقال: يَا أَيُّهَا/ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ كَأَنَّهُ قِيلَ: قَدْ عَرَفْتُمْ كَمَالَ جَسَارَةِ الْيَهُودِ عَلَى الْمَعَاصِي وَالذُّنُوبِ وَبُعْدِهِمْ عَنِ الطَّاعَاتِ الَّتِي هِيَ الْوَسَائِلُ لِلْعَبْدِ

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 11  صفحه : 348
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست